فصل: (مسألة: ينفذ تصرف العامل ولو وجد شرط فاسد)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: اشترى عبدا للقراض فأراد أحدهما أن يكاتبه دون الآخر]

قال الشافعي: (إذا اشترى العامل عبدا للقراض، فاراد أحدهما أن يكاتبه دون الآخر.. لم يجز؛ لأن الكتابة إتلاف، فإن اتفقا على كتابته.. جاز، ثم ينظر فيه:
فإن كان العبد يساوي ألفا، ولا ربح في المال، وكاتباه على ألف فأداه.. عتق، وكانت الألف لرب المال، والولاء له، ولا حق للعامل فيه؛ لأنه لم يحصل في المال فضل.
وإن كاتباه على ألفين - وكان الربح بينهما نصفين - فأدى العبد ذلك.. عتق عليهما، وكان لرب المال ألف درهم رأس ماله، والألف الثانية بينهما نصفان، فيكون الولاء بينهما: لرب المال ثلاثة أرباع الولاء، وللعامل ربع الولاء).

.[فرع: اشترى جارية للمقارض الأول، ثم للثاني، فاشتبهتا]

إذا قارض رجل رجلا على مال، ثم قارض رجل آخر العامل على مال آخر.. صح القراض الثاني.
وقال أحمد: (لا يصح الثاني إذا كان فيه ضرر على الأول).
دليلنا: أن هذا عقد جائز، فلا يمنع العقد مع المعقود معه، كالوكالة.
إذا ثبت هذا: فإن اشترى العامل للأول جارية بمائة، ثم اشترى للثاني جارية بمائة، واشتبهتا، ولم تتميزا.. ففيه قولان:
أحدهما: أن الجاريتين تكونان للعامل، سواء كان فيها ربح أو خسران، وعليه قيمتهما لربي المالين؛ لأن اختلاطهما بسبب منه، فصار كما لو أتلفهما. هكذا ذكر الشيخان: أبو حامد، وأبو إسحاق.
وذكر ابن الصباغ: أن عليه - على هذا القول - ضمان المالين، وأراد: المالين اللذين اشترى بهما الجاريتين.
والقول الثاني: أن ربي المالين يكونان شريكين في الجاريتين، كما لو اختلط لرجلين كيسان.
فعلى هذا: تباع الجاريتان، فإن كان ثمنهما قدر رأس مالهما.. اقتسمه ربَّا المالين، وإن كان فيه ربح.. قاسمهما العامل بحسب شرطه مع كل واحد منهما، وإن كان فيه خسران.. كان ضمانه على العامل؛ لأنه حصل بتفريطه.
قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر عندي؛ لأن المفرط لا يضمن نقصان السوق، كالغاصب.

.[فرع: في جناية عبد المضاربة على غيره]

قال الطبري: لو جنى عبد المضاربة على غيره.. كان للمضارب أن يفديه من مال المضاربة في أحد الوجهين؛ لأنه من صلاحه، فهو كالنفقة، خلافا لأبي حنيفة، ولو
أراد العامل أن يبيع العبد في أرش الجناية.. قال سهل: ليس ذلك؛ لأن له ملك المنفعة دون الرقبة، كالمستعير.
قال الطبري: وإن اشترى العامل عبدا بألف، وهو يساويه، ثم رجعت قيمته إلى خمسمائة، ثم قتل رجلا وله ابنان، فعفا أحدهما عن القصاص، فباع رب المال نصفه بحق الابن الثاني.. تعلق بالنصف الثاني رأس المال بخمسمائة في أحد القولين؛ لأن الذاهب في حكم المستهلك، ويستحيل أن يتفقا على المضاربة، ففي الحقيقة: الذي بقي على المضاربة نصف العبد، فيكون على المضاربة بنصف مال المضاربة، حتى إن زادت.. كانت الزيادة ربحا بينهما.

.[مسألة: يفسخ القراض أحد المتعاقدين]

قد ذكرنا: أن عقد القراض غير لازم، ولكل واحد منهما أن يفسخه متى شاء، كالوكالة، فإذا فسخاه، أو فسخه أحدهما.. انفسخ، وليس للعامل أن يشتري بعد ذلك شيئا بمال القراض؛ لأنه إنما اشترى مع بقاء القراض وقد انفسخ. وأما البيع: فينظر فيه:
فإن كان المال ناضا من جنس رأس المال.. أخذ رب المال من رأس ماله، فإن كان هناك ربح.. اقتسماه، وإن لم يكن هناك ربح.. فلا شيء للعامل؛ لأنه لا يستحق في العمل بالعقد الصحيح في القراض إلا ما شرط له من الربح، ولا ربح هاهنا.
وإن كان المال عرضا أو نقدا من غير جنس رأس المال، فإن اتفقا على بيعه.. باعه العامل، فإن لم يكن فيه ربح.. أخذ رب المال رأس ماله ولا شيء للعامل، وإن كان فيه ربح.. اقتسما الربح، وإن اتفقا على أن يأخذ رب المال منه بقيمة رأس ماله، ويقتسما ما بقي من العرض.. جاز؛ لأن الحق لهما.
وإن طلب العامل البيع، وامتنع رب المال.. فقال البغداديون من أصحابنا: يجبر رب المال على البيع، سواء ظهر فيه ربح أو لم يظهر، لأن حقه من الربح إنما يظهر بذلك.
وقال المسعودي [في (الإبانة) ق \ 322] إن ظهر فيه ربح.. فللعامل بيعه، وإن لم يظهر فيه ربح.. ففيه وجهان:
أحدهما: ليس للعامل البيع؛ لأنه لا حق له فيه.
والثاني: له بيعه؛ لأنه يرجو الربح بالبيع، فإن قال رب المال: لا تبع العرض، ولكن يقوم، وينظر ما فيه من الربح، وادفع إلى العامل نصيبه منه.. قال الشيخ أبو حامد: فليس للعامل أن يبيع؛ لأنه إنما يبيع ليحصل له حقه من الربح، فإذا دفع إليه رب المال ذلك.. فقد حصل حقه، وزال الضرر عنه، فلا حاجة به إلى البيع، كما قلنا فيمن استعار أرضا، فغرس فيها، ثم رجع المعير في العارية.. فليس له المطالبة بقلع الغراس؛ لأن في ذلك ضررا على المستعير، فإن دفع المعير قيمة الغراس ليتملكه، أو قال: اقلعه، وادفع أرش نقصه.. كان له ذلك؛ لأن الضرر يزول عن المستعير.
وذكر الشيخ أبو إسحاق: أن ذلك مبني على القولين متى يملك العامل حصته من الربح؟ فإن قيل: يملكه بالظهور.. لم يجبر على أخذ قيمة حصته من العرض، كما لو كان بينهما عرض مشترك، فبذل أحدهما للآخر قيمة حقه منه، وإن قلنا: لا يملكه إلا بالقسمة.. ففيه وجهان، بناء على القولين في العبد الجاني إذا امتنع المولى من بيعه، وبذلك قيمته للمجني عليه:
أحدهما: لا يجبر على بيعه؛ لأن البيع لحقه، وقد بذل له حقه.
والثاني: يجبر؛ لأنه ربما زايد قيمته مزايد، فاشتراه بأكثر من قيمته، فإن أخذ رب المال العرض بقيمته، ثم زادت قيمته، وظهر فيه ربح وهو في يد رب المال.. فهل يتعلق حق العامل به؟ فيه وجهان، حكاهما المسعودي [في (الإبانة) ق \ 322].
وإن طلب رب المال بيع العرض، وامتنع العامل من بيعه، وقال: خذه، وقد تركت حقي من الربح ولا أبيع العرض، فإن رضي رب المال بذلك.. جاز، وإن طالبه بالبيع.. فذكر الشيخ أبو إسحاق: أن ذلك مبني على القولين في العامل متى يملك حصته من الربح؟ فإن قلنا: يملكه بالظهور.. لم يجبر رب المال على القبول؛ لأن قبول الهبة لا يجب، وإن قلنا: إنه لا يملك حصته إلا بالقسمة.. ففيه وجهان وقال ابن الصباغ: فيه وجهان، سواء كان فيه ربح أو لم يكن، وسواء قلنا: يملكه بالظهور أو بالقسمة:
أحدهما: لا يجبر العامل على البيع؛ لأن البيع لحقه، وقد رضي بإسقاطه.
والثاني: يجبر؛ ليصل رب المال إلى رأس ماله.

.[فرع: فسخا القراض وهناك دين]

فإن فسخا القراض أو أحدهما، وكان هناك دين من مال القراض.. وجب على العامل أن يتقاضاه، سواء كان في المال ربح أو لم يكن فيه ربح.
وقال أبو حنيفة: (إن كان فيه ربح.. كان على العامل أن يتقاضاه، وإن لم يكن فيه ربح.. لم يكن عليه أن يتقاضاه). كما لا يلزم الوكيل أن يتقاضى الدين إذا عزل.
ودليلنا: أن المضاربة تقتضي رد رأس المال على صفته، والديون لا تجري مجرى الناض.. فلزمه أن يستنضه، كما يلزمه بيع العروض، بخلاف الوكيل، فإنه لا يلزمه بيع العروض.

.[مسألة: موت المقارض]

قال الشافعي: (وإن مات رب المال.. صار رأس مال القراض لوارثه، فإن رضي.. ترك المقارض على قراضه، وإلا.. فقد انفسخ القراض، وإن مات العامل.. لم يكن لوارثه أن يعمل مكانه).
وجمله ذلك: أنه إذا مات أحد المتقارضين.. انفسخ عقد القراض؛ لأنه عقد جائز، فيبطل بالموت، كالوكالة.
إذا ثبت هذا: فإن كان الميت رب المال.. فقد انتقل ماله إلى وارثه، فإن اختارا أن يقيما على الفسخ، فإن كان المال ناضا من جنس رأس المال.. أخذ رب المال رأس ماله، واقتسما الربح إن كان هناك ربح، وإن كان المال عرضا.. فللعامل المطالبة ببيعه، وهل لرب المال المطالبة ببيعه؟ على ما ذكرناه إذا فسخا القراض والمال عرض، وهل يتولى العامل بيع العرض بنفسه؟ فيه وجهان:
قال الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا: له ذلك؛ لأن انفساخ القراض بالموت كانفساخه بالفسخ وقد بينا: أن له أن يبيعه إذا فسخا، فكذلك إذا مات رب المال.
وقال ابن الصباغ: لا يلزم ورثة رب المال تمكينه من الانفراد بالبيع، بل يرفع ذلك إلى الحاكم ليأمر ببيعه؛ لأن الوارث لا يلزمه حكم ائتمان مورثه، ولهذا لو كان لمورثهم وديعة، فمات ولم يعلموا بها، ولا أعلمهم المودع.. ضمنها المودع.
وإن أراد وارث رب المال والعامل أن يعقدا قراضا.. نظرت:
فإن كان المال ناضا.. جاز؛ لأنه إن لم يكن فيه ربح.. فهو عقد لقراض على دراهم أو دنانير ينفرد الوارث بملكها، وإن كان فيه ربح أيضا.. جاز وإن كان ذلك العقد على مال مشاع؛ لأن الشريك هو العامل، وذلك لا يمنعه من التصرف، كما لو كان بينهما ألف، فقارض أحدهما الآخر.. فإنه يصح.
إذا ثبت هذا: فإن القراض يفتقر إلى تجديد عقد؛ لأن العقد الأول قد بطل بالموت.
قال الشيخ أبو حامد: وقول الشافعي: (فإن رضي.. ترك العامل على قراضه) لم يرد: أنه يتركه على العقد الأول، وإنما أراد: أنه يستأنف معه العقد ثانيا. وقول الشافعي: (وإلا.. فقد انفسخ القراض) لم يرد: أنه ينفسخ في هذه الحالة؛ لأنه انفسخ بالموت، وإنما أراد به: أنه يقيم على الفسخ الأول.
وإن كان المال عرضا، وأراد وارث رب المال والعامل استئناف عقد القراض عليه.. فهل يصح؟ فيه وجهان:
قال أبو إسحاق المروزي: يصح، وهو اختيار ابن الصباغ؛ لأن الشافعي لم يفرق بين أن يكون المال ناضا، أو عرضا، ولأن هذا ليس بابتداء قراض على العرض، وإنما هو بناء على قراض رب المال، ولأنا إنما منعنا القراض على غير الدراهم والدنانير؛ لأنه يحتاج عند المفاصلة إلى رد المثل، أو رد القيمة، وذلك يختلف باختلاف الأوقات، وهذا غير موجود في مسألتنا؛ لأن رأس المال هاهنا غير العرض.
ومن أصحابنا من قال: لا يصح، وهو اختيار الشيخين: أبي حامد، وأبي إسحاق؛ لأن القراض الأول قد بطل بالموت، وهذا عقد قراض على العرض، فلم يصح، كما لو عقده على عرض قد اشتراه الوارث.
وما قاله أبو إسحاق ينكسر في المتقارضين إذا فسخا عقد القراض والمال عروض، ثم أرادا عقد القراض ثانيا على ملك العروض.. فإنه لا يصح وإن كان بناء على القراض الأول، ويمكن هاهنا أيضا رد رأس المال الذي عقدا عليه أولا.
وإن كان الميت هو العامل.. فقد ذكرنا: أن القراض ينفسخ بموته. فإن كان المال ناضا.. أخذ رب المال رأس ماله، وإن كان هناك ربح.. أقتسمه رب المال ووارث العامل، وإن كان المال عرضا.. بيع؛ ليظهر الربح فيه لوارث العامل، وليس لوارث العامل أن يبيعه إلا أن يأذن رب المال؛ لأن رب المال إنما رضي باجتهاد العامل دون ورثته، فإن لم يتفقا على من يبيعه.. رفع إلى الحاكم ليأمر ببيعه.
وإن أجاز رب المال ابتداء عقد القراض مع وارث العامل، فإن كان المال ناضا.. فقال البغداديون من أصحابنا: جاز، سواء كان في المال ربح أو لم يكن فيه ربح، كما قلنا في رب المال إذا مات.
وقال المسعودي [في (الإبانة): ق \ 323] إن كان في المال ربح.. لم يجز؛ لأنه شريك، وإن لم يكن فيه ربح جاز، فإن كان فيه خسران فشرط أن يجبر الخسران بتصرفه.. لم يجز، وإن كان المال عرضا.. لم يجز عقد القراض عليه، وجها واحدا والفرق بين هذه والتي قبلها على قول أبي إسحاق: أن رب المال إذا مات بقي ماله الذي عقد عليه، ووارثه قد قام مقامه، فبنى القراض على الأصل الذي كان لمورثه، وهو موجود، وليس كذلك إذا مات العامل؛ لأنه إنما كان منه العمل، وإذا مات.. انقطع، وبطل عمله، فلم يبق له شيء موجود يبني عليه وارثه.

.[فرع: مال المضاربة في التركة كالوديعة]

إذا مات العامل، ولم يعرف مال المضاربة بعينه.. كان بمنزلة من مات وعنده وديعة لغيره، ولم تعرف في ماله، وقد مضى ذكرها.

.[فرع: فقد الأهلية يفسخ العقد]

وإن جن أحد المتقارضين، أو أغمي عليه.. انفسخ القراض؛ لأنه عقد جائز، فبطل بالجنون والإغماء، كالموت، فإذا أفاقا، وأرادا عقد القراض ثانيا.. فالذي يقتضي المذهب: أن حكمه حكم ما لو انفسخ القراض بموت رب المال على ما مضى.

.[مسألة: القراض في مرض الموت بأكثر من أجرة المثل]

إذا قارض الرجل في مرض موته رجلا على أكثر من أجرة مثله.. صح، ولم يعتبر ما زاد على أجرة مثله من الثلث؛ لأنه إنما يعتبر من الثلث ما يخرجه المريض من ماله، ولم يخرج هاهنا شيئا من ماله؛ لأن الربح ليس من ماله، وإنما يحصل بكسب العامل، فإن مات وعليه ديون.. قدم حق العامل على ديون الغرماء؛ لأن حقه تعلق بعين المال.

.[مسألة: ينفذ تصرف العامل ولو وجد شرط فاسد]

إذا دفع إلى رجل مالا قراضا، وشرط فيه شرطا فاسدا، وتصرف العامل فيه.. نفذ تصرفه؛ لأن رب المال قد أذن له في التصرف، وإنما شرط في العقد شرطا يفسده، وفساد الشرط لا يقدح في الإذن، فإذا كان الإذن باقيا.. صح تصرفه كما لو أذن له في التصرف من غير عوض.
فإن قيل: ما الفرق بين هذا، وبين من باع بيعا بثمن فاسد.. أن البيع لا يصح؟
قلنا: الفرق بينهما: أن البيع مشتمل على ثمن ومثمن، وأحدهما لا ينفك عن الآخر، فإذا بطل أحدهما.. بطل الآخر، ففسد العقد، وليس كذلك الإذن بالتصرف على عوض، فإن أحدهما قد ينفك عن الآخر، فإذا فسد الشرط.. لم يؤثر في الإذن، فإن حصل في المال ربح.. كان الربح لرب المال؛ لأنه نماء ماله، ولا شيء للعامل فيه، ويستحق أجرة المثل، سواء حصل في المال ربح أو لم يحصل.
ومن أصحابنا من قال: إن رضي العامل على أن يعمل بغير عوض، بأن قال: قارضتك على أن الربح كله لي.. لم يستحق العامل شيئا. وليس بشيء.
وقال مالك: (إن لم يحصل في المال ربح لم يستحق العامل أجرة).
ودليلنا: أنه عمل في قراض فاسد، فاستحق أجرة المثل، كما لو لم يرض إلا بعوض، وكما لو حصل في المال ربح.

.[فرع: المقارضة بالدين]

إذا كان لرجل على رجل دين، فقال له: أعزل المال الذي لي عليك، وقد قارضتك عليه.. لم يصح القراض؛ لأن الإنسان لا يصح قبضه دين غيره من نفسه، ولأنه قراض على صفة، فلم يصح، كما لو دفع إليه ثوبا، وقال: بعه، وإذا بعته.. فقد قارضتك على ثمنه.
إذا ثبت هذا: فإن عزل من عليه الدين قدر الدين من ماله، واشترى بعينه شيئا.. كان ذلك ملكا لمن عليه الدين؛ لأنه اشتراه بعين ماله، وإن اشترى شيئا بثمن في ذمته بنية القراض، ونقد الثمن من الذي عزله.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن الشراء يقع لمن له الدين، وتبرأ ذمه المشتري من الدين بتسليمه إلى البائع؛ لأنه سلمه إليه بإذنه، ويكون الربح كله له، ويجب عليه للعامل أجرة مثله.
والثاني - وهو المذهب -: أن الشراء لمن عليه الدين، ولا تبرأ ذمته من الدين، ولا أجرة له؛ لأنه لا يصح أن يشتري شيئا بنية القراض؛ إلا إذا كان في يده مال القراض، وليس في يده مال للقراض؛ لأنا بينا أن قبضه من نفسه لا يصح.

.[مسألة: قبول قول العامل في دعوى التلف]:

إذا ادعى العامل تلف مال القراض، وأنكر رب المال، ولا بينة.. فالقول قول العامل مع يمينه؛ لأن يتصرف في مال غيره بإذنه، فقبل قوله في التلف، كالوكيل.

.[فرع: دعوى العامل رد مال القراض وإنكار المقارض]

وإن ادعى من بيده مال القراض لغيره: أنه رده على مالكه، وأنكر المالك.. ففيه ثلاث مسائل:
إحداهن: إن قبض العين لمنفعة المالك، ولا منفعة للقابض فيها، وهو المودع والوكيل بغير جعل.. فقبل قول القابض مع يمينه في الرد، وجها واحدا؛ لأنه لا منفعة للقابض، وإنما المنفعة للمالك، ولأن يد القابض كيد المالك، بدليل: أنه يملك انتزاعها من يده متى شاء.
الثانية: إذا كانت المنفعة في العين للقابض دون المالك، وهو المرتهن والمستعير والمستأجر.. فلا يقبل قول القابض في الرد، وجها واحدا؛ لأن المنفعة فيها للقابض، ولأن يده ليست كيد المالك.
الثالثة: إذا كانت المنفعة في العين للقابض والمالك، وهو: العامل في القراض، والوكيل بجعل، والأجير المشترك، إذا قلنا: ليس بضامن.. فهل يقبل قوله مع يمينه في الرد؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يقبل لأنه قبض العين لمنفعة نفسه، فهو كالمستعير.
والثاني: يقبل قوله مع يمينه، وهو الأصح؛ لأن معظم المنفعة فيها للمالك، فهو كالمودع، ولأن المالك يملك انتزاعها من يده متى شاء، فهو كالوكيل بغير جعل.

.[فرع: اختلاف المقارض وعامله على نسبة الربح]

وإن قال العامل: شرطت لي نصف الربح، وقال رب المال: بل شرطت لك ثلث الربح.. تحالفا؛ لأنهما اختلفا في صفة العقد، كالمتبايعين، فإذا حلفا.. كانا كالمتبايعين إذا تحالفا، وهل ينفسخ العقد بنفس التحالف، أو بالفسخ؟ على ما مضى.
وإذا انفسخ العقد، أو فسخه أحدهما.. وجب للعامل أجرة المثل فيما عمل.

.[فرع: اختلفا في قدر رأس المال ولا بينة]

وإن اختلفا في قدر رأس المال، فقال العامل: رأس المال مائة، وقال رب المال: بل رأس المال مائتان، ولا بينة.. فالقول قول العامل مع يمينه، وحكى الشيخ أبو إسحاق وجها آخر: إن كان في المال ربح.. تحالفا، والأول أصح؛ لأن الاختلاف فيما قبضه العامل، والأصل عدم القبض إلا فيما أقر به، ولأن المال في يد العامل، ورب المال يدعي جميعه، والعامل لا يقر له إلا ببعضه.. فكان القول قول صاحب اليد.

.[فرع: اختلاف العاملين والمقارض على رأس المال بعد المضاربة]

وإن دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا، على أن له النصف من الربح، والنصف الآخر بينهما نصفان، فتصرفا، فبلغ المال ثلاثة آلاف، فقال رب المال: رأس المال ألفا، والربح ألف، فصدقه أحد العاملين على ذلك، وكذبه العامل الآخر، فقال: بل رأس المال ألف، والربح ألفان، ولا بينة هاهنا.. فإن القول قول المكذب مع يمينه: أن رأس المال ألف، فإذا حلف.. أخذ خمسمائة، وبقي ألفان وخمسمائة، والعامل المصدق قد وافق رب المال على ما ادعاه، فأخذ رب المال ألفين رأس ماله، وما غصب من مال القراض.. فإنه يكون محسوبا من الربح.
فإذا ثبت هذا: فإن رب المال والعامل المصدق يقولان: الربح ألف لا غير، وقد أخذ العامل الحالف منه خمسمائة، فنصفها - وهو مائتان وخمسون - لرب المال، والنصف الآخر بين العاملين، فالحالف يستحق مما أخذ مائة وخمسة وعشرين، والمصدق يستحق منها مثل ذلك نصيبه، وقد بقي من الربح في يد رب المال والمصدق خمسمائة، فلرب المال نصفها - مائتان وخمسون - ولكل واحد من العاملين مائة وخمسة وعشرون، فيكون الحالف قد غصب رب المال والمصدق ثلاثمائة وخمسة وسبعين، لرب المال ثلثها، وللعامل ثلثها، وقد وجد له من جنس حقهما مائة وخمسة وعشرون، فيقسمانها على قدر حقيهما، لرب المال ثلثاها وهو ثلاثة وثمانون وثلث درهم، وللعامل ثلثها، وهو أحد وأربعون وثلثا درهم، فيحصل لرب المال - من الخمسمائة التي بقيت من الربح معهما - ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، ويحصل للعامل مائة وستة وستون وثلثان.

.[فرع: اختلاف العامل والمقارض في المشتري]

فإن اشترى العامل عبدا، فظهر فيه ربح، فقال رب المال: اشتريته للقراض، وقال العامل: بل اشتريته لنفسي، ولا بينة.. فالقول قول العامل مع يمينه؛ لأن العبد في يده، فكان القول قول فيه، ولأنه قد يشتريه لنفسه، وقد يشتريه للقراض، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنية، وهو أعلم بنيته.
فإن أقام رب المال بينة: أن العامل اشتراه بمال القراض.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يحكم به للقراض؛ لأن الظاهر مما اشتراه بمال القراض أنه للقراض.
والثاني: أنه لا يحكم به للقراض، بل القول قول العامل مع يمينه؛ لأنه قد يشتريه بمال القراض على وجه التعدي، فلا يحكم به للقراض؛ لبطلان البيع فيه.
وإن اشترى العامل عبدا، فظهر فيه خسران، فقال العامل: اشتريته للقراض، وقال رب المال: بل اشتريته لنفسك.. فالمنصوص هاهنا: (أن القول قول العامل مع يمينه؛ لأنه أعلم بنيته).
وحكى أبو العباس - إذا اختلف الوكيل والموكل في بيع عين أو شرائها.. فقال الموكل: ما بعتها، أو ما اشتريتها، وقال الوكيل: بل بعتها أو اشتريتها - عن الشافعي قولين:
أحدهما: (القول قول الوكيل).
والثاني: (القول قول الموكل).
واختلف أصحابنا في القراض:
فمنهم من قال: فيها قولان، كما قلنا في الوكيل والموكل.
وقال أكثرهم: بل القول قول العامل في القراض، قولا واحدا.
والفرق بينهما: أن الوكيل والموكل يختلفان في أصل البيع والشراء، فكان القول قول الموكل؛ لأن الأصل عدم ذلك، وهاهنا اتفقا على أصل الشراء، وإنما اختلفا في نية العامل، وهو أعلم بنيته.